ذكرت تقارير أن الحكومات الأوروبية، أقرت قائمة قصيرة للمرشحين لمنصب مدير صندوق النقد الدولي، ليحل محل كريستين لاجارد، وستعلن الحكومات الأوروبية مرشحها بنهاية هذا الأسبوع، لكن بدلاً من هذا، على تلك الحكومات دعم الترشيح القائم على الكفاءة من داخل وخارج أوروبا، واتباع عملية أكثر دقة في الفحص، بغير هذا سيلحقون مزيداً من الضرر بمصداقية الصندوق، فيما يحتمل أن يستدعي الأمر تدخلاً منه لتقليص ضرر أزمات مالية محتملة وحروب تجارية وشيكة.
دعنا أولاً نقدم لمحة عن السياق التاريخي، فمع تأسيس كل من البنك وصندوق النقد الدوليين قبل 75 عاماً، اتبع الأعضاء الذين تزعمتهم الدول الأوروبية والولايات المتحدة نهجاً قائماً على الجنسية، وكان تقليد تولي أميركي قيادة البنك الدولي، وأوروبي قيادة صندوق النقد الدولي، له معنى عقب الحرب العالمية الثانية مباشرة، إذ ساعد ذلك على ترسيخ قدم المؤسستين، لكن الزمن تجاوز هذا النظام، وأصبح يؤدي إلى نتائج عكسية، بعد أن تزايدت أقطاب الاقتصاد العالمي.
وتحت ضغوط داخلية وخارجية، أقدمت المؤسستان على محاولات فاترة الحماس للإصلاح، وأتذكر أنه طلب مني في عام 2004، إلى جانب اقتصاديين وخبراء سياسة يحظون باحترام كبير، مثل أندرو كروكت وستانلي فيشر، أن نقدم أسماءنا كمرشحين لقيادة صندوق النقد الدولي، ولم يكن الهدف زحزحة المرشح الأوروبي في حينه بل تشجيع مجلس إدارة صندوق النقد الدولي على إجراء مقابلات مع المترشحين للمنصب، وكان المأمول أن تساعد هذه الخطوة البسيطة في تحريك المؤسستين نحو نظام شفاف يحتوي الجميع وأكثر اعتماداً على الكفاءة، وتطورت العملية فعلاً، لكن بعد 15 عاماً، يبدو التقدم بطيئاً بشكل محبط.
وبدلاً من الإسراع بالإصلاحات، عدلت أوروبا والولايات المتحدة نهجهما بطريقة تحافظ على نفوذهما التاريخي، وفي حالة صندوق النقد الدولي، تطلب هذا ضمان أن يعلن اسم مرشح أوروبي في بداية فترة الترشيح، ثم يبدأ الأوروبيون في حشد دعم الدول الأخرى لضمان تأييدها قبل أن يستطيع آخرون ترشيح منافس، ولا غرابة في أن تفشل محاولات الآخرين من جنسيات دول خارج الاتحاد الأوروبي في الانتخابات، وبعد أن شاهدوا ما آل إليه الحال في السباقات القليلة الماضية على زعامة المؤسسة، لا يرى عدد قليل من المرشحين من الخارج أي معنى في الخضوع لعملية لا تعطيهم فرصة حقيقية للفوز، دون عيب فيهم.
وبناءً على ما قاله بعض المسؤولين الأوروبيين بشأن القائمة القصيرة، فقد تخطت العملية بالفعل بعضاً من المحترفين رفيعي المستوى في الخبرة، مثل مارك كارني محافظ «بنك أوف انجلاند»، والمصرفي الهندي السابق راغورام راجان، والاقتصادي السنغافوري البارز ثارمان شانموغاراثنام.
وفي هذه المرحلة، من غير الواقعي أن تلجأ أوروبا إلى نهج أكثر مصداقية، سواء بترشيح شخص على أساس الكفاءة فعلاً أو بالإحجام عن الترشيح تماماً، وفتح طريق حقيقي للآخرين. لكن الحكومات الأوروبية قد تتزعم مساعي تقوم من خلالها، ضمن أهداف المئة يوم الأولى لفترة ولاية المدير الجديد، بتطبيق تعديلات في عملية الاختيار تقلص فرص اختيار من جانب واحد قائم على الجنسية مستقبلاً، ويجب أن تقوم بهذا ليس فقط لمصلحتها، ولكن أيضاً لضمان استجابة أكثر مصداقية وفعالية متعدد الأطراف، إذا انتهى الحال، كما هو محتمل فيما يبدو، بالظروف الاقتصادية المضطربة بشكل استثنائي والنمو الاقتصادي الضعيف إلى حالة يتبين أنها الهدوء الذي يسبق عاصفة في الاقتصاد والأسواق.
*رئيس كوينز كوليدج بجامعة كامبريدج، ونائب سابق لمدير صندوق النقد الدولي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»